الابداع الفني

الفن بمختلف أنواعه (السينما، المسرح، النحت، الرسم،الأدب...) هو أحد وسائل الاتصال، ورحلة العمل الفني من الفكرة إلى التجسيد ثم تلقي الجمهور هي سيرورة الابداع الفني.
 يقرأ المؤلف سيرورة الابداع الفني على ضوء النظرية الجمالية الماركسية التي تختلف في نقاط كثيرة مع علم الجمال الفرويدي، وبما أن الفن أحد وسائل الاتصال فيتناول كاغان في كتابه هذه العناصر ودورها في سيرورة الابداع الفني، وعلى الرغم من عدم وجودها ضمن عناوين وتقسيمات رئيسية وفرعية تيسر الفهم.

من أين تبدأ سيرورة الابداع الفني؟
 الجزء الأول من الكتاب يتحدث فيه كاغان عن الفنان (المرسل)، المحور الأساسي الذي تبدأ سيرورة الابداع من عنده، ويتناول عناصر وشروط الابداع لديه التي تمهد للأفكاربان تولد: شخصية الفنان، الموهبة الفنية، التجربة الحياتية، التأملات في هذه التجربة، حيث انتاجه الابداعي هو ثمرة كل هذا، مع التركيز على أهمية معرفة وتجربة الحياة، فاي عمل ابداعي هو في نهاية المطاف ليس إلا انعكاسا لهذه التجربة، وكلما كان الفنان على معرفة واسعة و فهم عميق بالحياة، كلما كان قادر من خلال ابداعه على إعادة صياغة العلاقات الواقعية الحياتية، وكلما ابدعت موهبته بنجاح.
 لكن موهبة الفنان ليست العنصر الوحيد الذي يعتمد عليه نجاح الفنان، إنما هناك أيضا عوامل آخرى منها:
أولا: منهج الفنان الابداعي الذي هو الجسر بين موهبة الفنان وتأملاته الحياتيه، فيتناول الكاتب عناصر المنهج الابداعي الأربع: المعرفي، التقييمي، البنائي، والاشاري، ودورها في العمل الفني الذي يتكون بواسطة الصلة المتبادلة بين هذه العناصر.
ثانيا: المهارة وهي الوسيلة اللازمة لبناء العمل الفني، فتتحول من خلالها الاحتمالات الابداعية الكامنة إلى تجسيم مادي، وهي من تظهر إذا كانت الفكرة الفنية المعنية قد تحققت أم لم تتحقق، وبما أن المهارة في الفن هي قوة ثانية مع الموهبة فيعرض كاغان وظائفها واختلافها عن الموهبة.

العمل الفني نتيجة سيرورة ابداعية طويلة ومعقدة
 سيرورة أي عمل فني كان - منها السينما- تمر في ثلاث مراحل، هي ما يتناوله الكاتب بالتفصيل في الجزء الثاني من هذا الكتاب وهي: (الطور الجيني) ولادة الفكرة، مرحلة (التجسيد المادي) وفيها قد يختلف تجسيد الفكرة ماديا عما كان متخيلا، أما المرحلة الثالثة فهي (التلقي) حين يستقل العمل عن صاحبه ويصبح ملكا للجمهور، ويمنح حيزا كبيرا من الحديث في هذا الجزء لمرحلة التجسيد المادي التي هي بشكل أو بآخر إحدى عناصر الاتصال؛ الشكل، والمضمون (النص المرسل)، ويبحث في طبيعة العلاقة الجدلية بينهما، أيهما أسبق، هل يتبع الشكل المضمون أو العكس.

استقبال العمل الفني... اكتشاف المجهول
أما الجزء الثالث فيُستكمل الحديث فيه عن عنصرين مهمين وهما: المُستقبِل (الجمهور)، والتغذية الراجعة (النقد الفني)، فالاستقبال الفني نظام ديناميكي معقد، وتختلف مستويات التلقي وقراءة العمل الفني وتقيمه تبعا لاختلاف ثقافة وتجارب كل متلقي، واستقبال كل عمل فني يتحول إلى اكتشاف ما هو مجهول، ولا ينتهي دور المتلقي عند استقبال العمل الفني، إنما يذهب أبعد من ذلك إلى المشاركة في الخلق من خلال مساهمة مخيلته الابداعية في اعادة خلق بالتوافق مع تأويله الخاص للعمل الفني.
 لكن الاستقبال الفني كما يراها كاغان ليس الحلقة النهائية في نظام الاتصال الفني، إنما الدور الختامي يلعبه النقد الفني، الذي تكمُن وظيفته في تحقيق الصلة العكسية في النظام المعني، أي أن حركة المعلومات (الرسالة) تسير في نظام الاتصال الفني باتجاهين؛ من الفنان إلى المستقبل (الناقد) وبالعكس بما يعرف بالتغذية الراجعة، التي مع تطور الثقافة والوعي الفني، تجاوزت التقييمات الاجمالية البسيطة؛ كعمل رائع، أو بائس...، إلى عمل تحليلي نقدي عميق، يؤثر على توجيه الابداع الفني والجمهور المستهلك معا.
 في النهاية المهتم في العمل الابداعي بشكل عام وفي السينما بشكل خاص، قد يتشكل لديه الرغبة في سبر غور آلية الابداع وفهم كيف تبدأ الفكرة والمراحل والتحولات التي تمر بها إلى أن تصل إلى متناول أيدينا، وبهذا يعتبر هذا الكتاب مقدمة لهذا الفهم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire